علامات المحبة:
فإذا قيل ما وصف هذا المحب، فإن التقول كثير والفاعل قليل. قلنا أن للمحبة علامات كثيرة ومنها :
1- حب لقاء اللهفي الدنيا قبل الآخرة وهذا هو مشرب السادة الصوفية الذين سلكوا سبيل تخلية النفس من الكدورات حتى يحصّلون رؤية الله القلبية في الدنيا،فيكون مشهودهم عياناً وقبالهم في كل توجه وهذا قصد قول الله: فأينما تولوا وجوهكم فثم وجه الله .
2- أن يؤ ِثر تعاليم المولى وأوامره ونواهيه على ما تحب نفسه ظاهراً وباطناً. فيترك نفسه وهواه ومراده سعياً في سبيل نيل رضا الله عنه كقولهم :
أريد وصاله ويريد هجري***فأترك مـا أريـد لمـا يـريــد
وأنشدوا:
وأترك ما أهوى لما قد هويته***فأرضى بما ترضى وإن سخطت نفسي
3- الإتباع الكامل لسيد السادات من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب لأنه كمال إتباعهيوصل إلى محبة المولىقل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله .
4- التقوى والورع وقلة الآثام وترك ما لا يعني من الدنيا. فحب الدنيا وحب الله لا يجتمعان:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه***هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعتـه***إن المحـب لمن يحـب مطيع
5- أن يأنس بتلاوة القرآن، والتهجد، وقيام الليل، والخلوات، وقد قيل أن أقل درجات المحبة التلذذ بالخلوة بالحبيب، والتنعم بمناجاته.
6- أن لا يتأسف على فوات حظه مما سوى الله، بل يأسف على كل ساعة لم تقربه من الله فيكثر رجوعه من الغفلات بكثرة التوبة والقربات.
7- أن يكون مشفقاً على عباد الله، رحيماً بهم، يتودد لهم، ويخدمهم ما استطاع لنيل رضا اللهعنه حيث قال( الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ).
8- الدعوة إلى اللهبكل جوارحه: بلسانه بالكلام، وبقلبه بالهيام، وبجوارحه بكثرة الطاعات، وبذلك يكون من الذين يحببون عباد اللهلله ويحببون عباد الله بالله.
9- أن يكون خائفاً مما يوجب طرده من حضرة حبيبه، متجنباً قلباً وقالباً لكل السوى، مخافة ضياع المولى من قلبه وحجبه عنه. فقد قال سيدي ذو النون المصري ( عذبني بكل شئ إلا الحجاب ).
10- كتمان المحبة، خشية من ذياع السر وفضح الأمر تعظيماً للمحبوب وإجلالاً له وهيبة منه.
11- الغيرة من كل من سبقه إلى الطاعات وهو متكاسل متغافل، فيسعى عندها للّحاق به ومجاراته خوفاً من تحول نظر المحبوب عنه، فغيرة الخاصة أن تميل قلوبهم لغير محبوبهم، وغيرة خاصة الخاصة أن تميل أرواحهم لغيرمحبوبهم أو يميل محبوبهم عنهم: وقد قيل في ذلك:
أغار عليك من نفسي ومني***ومنك ومن مكانك والزمان
ولو أني خبأتك في جفـوني*** إلى يوم القيامـة ما كفـاني
وقد قيل:
إذالم أنـافس في هواك ولم أغـر*** عليك ففيمن- ليت شعري- أنافس
فـلا تمقتـن نفسـي فأنت حبيبها ***فكل امرئٍ يصبـو إلى من يجـانس
ولكن ما هي علامات محبة الله للعبد ؟
1- محبة الناس لمحب الله، فتراهم يخدمونه ويوقرونه ويحترمونه لما أفاض اللهعليه من مزيد عطاءه وجزيل مننه. فقد ورد في الحديث القدسي (أن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحبه. قال: فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء. ثم قال: ثم يوضع له القبول في الأرض).
ولا يغرك الفهم الخاطئ عن الله الذي حصل لأغلب الناس في هذا الزمان من مقارفة الشهوات واتباع الضلالات، فإن القلب إذا ألف المعاصي وقع في حرمة الأولياء والأصفياء وعموماً الطباع النورانية والظلمانية لا تتلاقى أبداً فهي في صراع مستمر.
وأولياء الله عرائس ولا يرى العرائس المجرمون.
2- من دلائل محبة الله للعبد أنه يحاسبه على الذنوب صغيرها قبل كبيرها فوراً، وهذا من باب تعجيل العقوبة في الدنيا قبل الآخرة لوجهين إثنين :
أولها: أن يعرف أنه قد أذنب وبالتالي يتوب إلى الله ويتوب الله عليه.
ثانيها: أن يأتي يوم القيامة وليس عليه ذنوب لأن العقوبة قد وافته في الدنيا.
ودليلنا على ذلك الحديث القدسي التالي قال اللهلنبيه وخليله إبراهيم: ما هذا الوجل الشديد. قال: فقال إبراهيم :يا رب وكيف لا أوجل ولا أكون على وجل آدم أبي، كان محله بالقرب منك، خلقته بيديك، ونفخت فيه من روحك، وأمرت الملائكة بالسجود له فبمعصية واحدة أخرجته من جوارك،فأوحى اللهإليه: يا إبراهيم أما علمت أن معصية الحبيب على الحبيب شديد ).
3- قالإذا أحب الله عبداً إبتلاه ) ولا يزال البلاء ينزل بالعبد حتى يتطهر من ذنوبه ويمشي على وجه الأرض لا يشكو من ذنب يكدره.
ولكن فهمنا الخاطئ عن الله أوقفنا في متاهة نكران القضاء، ورفض البلوى وتفسيرها علىأنها كره من الله للعبد، ونسينا أن أشد الناس بلاءاً الأنبياء ثم الأولياء فالأمثل فالأمثل هذه الفكرة يجب أن تصحح عند كثير من عامة المسلمين فضلاً عن المتصوفة.
جعلنا الله ممن يفهمون عنه ويتلذذون بقضاءه.
قبل الختام:
أيها العبد: أقبل على من أحبك قبل نشأتك، أقبل على من لعن إبليس وطرده لعدم سجوده لتجليه الأعظم الذي ظهر فيك، أتترك الله وتختار من دونه، بئس العبد أنت إن فعلت ذلك، اترك نفسك وهواك وأقبل على مولاك، إتبع سيد السادات سيدنا محمدساقي المحبة.
واسلك سبيل الصوفية على يد شيخ عارف بالله، واصل إلى حضرته، ليصلك إلى الله ويحققك بمعنى المحبة حتى يكمل لك دينك، وتفوز بنعيمي الدنيا والآخرة، فلا بد من ساقي، ولا بد من معلم، أقسمت حضرة القدوس أن لا يدخلنها أصحاب النفوس،لا تصل بنفسك بل بواسطة الشيخ ( فهو دليل الله فاتخذه كفلاً ).
والموصول بالموصول موصول بالنتيجة، واعلم أن المحب مع محبوبه في الآخرة :
جاء رجل إلى رسول الله، وسأله متى الساعة يا رسول الله ؟ قال:
(ما أعددت لها ) قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله، قال: (أنت مع من أحببت ) قال أنس: فقلنا ونحن كذلك ؟ قال ( نعم )ففرحنا بها فرحاً شديداً.
تأمل الحديث السابق وأنظر أن كثرة الأعمال لا تهم بل المعول عليه أعمال القلوب لا أعمال الجوارح، فكم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وكم من قائم يصلي وليس له من صلاته إلا التعب والنصب ,أنا لا أنقض كلامي السابق من وجوب العمل والمتابعة، ولكني أقصد بهذا أن يكون قلبك طاهراً نظيفاً، أن يكون لك حال مع الله، أن لا يشغلك الكون عن رؤية المكون (عبدي خلقت الأكوان لأجلك وخلقتك لأجلي، فلا تنشغل بما هولأجلك عمن أنت لأجله)( عبدي كن لي أكن لك ). ( ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ). أقبل عليه يقبل عليك.
اللهم اجعلنا ممن يقبل عليك وتقبلنا، وحققنا بالصدق في حالنا ومقالنا وحققنا بحقيقة الإتباع لسيد السادات سيدنا محمد وأجعل ما كتبته حجة لي لا حجة علي وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم