فمنهم: حملة العرش كما تقدم ذكرهم.
ومنهم: الكروبيون الذين هم حول العرش، وهم أشرف الملائكة مع حملة العرش، وهم الملائكة المقربون، كما قال تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء: 172].
ومنهم: جبريل، وميكائيل عليهما السلام.
وقد ذكر الله عنهم أنه يستغفرون للمؤمنين بظهر الغيب، كما قال تعالى: {.... وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر: 7-9].
ولما كانت سجاياهم هذه السجية الطاهرة، كانوا يحبون من اتصف بهذه الصفة، فثبت في الحديث عن الصادق المصدوق أنه قال:
((إذا دعا العبد لأخيه بظهر الغيب، قال الملك آمين ولك بمثل)). (ج/ص: 1/ 53)
ومنهم: سكان السماوات السبع، يعمرونها عبادة دائبة، ليلاً ونهاراً، صباحاً ومساءً، كما قال تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20].
فمنهم: الراكع دائماً، والقائم دائماً، والساجد دائماً.
ومنهم: الذين يتعاقبون زمرة بعد زمرة إلى البيت المعمور، كل يوم سبعون ألفاً، لا يعودون إليه آخر ما عليهم.
ومنهم: الموكلون بالجنان، وإعداد الكرامة لأهلها، وتهيئة الضيافة لساكنيها، من ملابس، ومصاغ، ومساكن، ومآكل، ومشارب، وغير ذلك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وخازن الجنة: ملك يقال له رضوان، جاء مصرحاً به في بعض الأحاديث.
ومنهم: الموكلون بالنار، وهم الزبانية، ومقدموهم تسعة عشر، وخازنها مالك، وهو مقدم على جميع الخزنة، وهم المذكورون في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} الآية [غافر: 49].
وقال تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف: 77].
وقال تعالى: {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
وقال تعالى: {لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر: 29-31].
وهم الموكلون بحفظ بني آدم، كما قال تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 9-10].
قال الوالبي عن ابن عباس: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} وهي الملائكة.
وقال عكرمة عن ابن عباس: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} قال: ملائكة يحفظونه من بين يديه، ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله خلوا عنه.
وقال مجاهد: ما من عبد إلا وملك موكل بحفظه في نومه، ويقظته، من الجن والإنس والهوام. وليس شيء يأتيه يريده إلا وقال وراءك، إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه.
وقال أبو أسامة: ما من آدمي إلا ومعه ملك، يذود عنه حتى يسلمه للذي قدر له.
وقال أبو مجلز: جاء رجل إلى علي فقال: إن نفراً من مراد يريدون قتلك، فقال: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، إن الأجل جنة حصينة. (ج/ص: 1/54)(مقابلة)
ومنهم: الموكلون بحفظ أعمال العباد، كما قال تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 17-18].
وقال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 9-12].
قال الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في (تفسيره): حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطنافسي، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان ومسعر، عن علقمة بن يزيد، عن مجاهد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أكرموا الكرام الكاتبين، الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين، الجنابة والغائط، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر بجذم حائط أو بعيره، أو يستره أخوه)).
هذا مرسل من هذا الوجه، وقد وصله البزار في (مسنده) من طريق جعفر بن سليمان.
وفيه كلام عن علقمة، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن الله ينهاكم عن التعري، فاستحيوا من الله والذين معكم، الكرام الكاتبين، الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات: الغائط، والجنابة، والغسل. فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستر بثوبه، أو بجذم حائط، أو بعيره)).
ومعنى إكرامهم: أن يستحي منهم، فلا يملي عليهم الأعمال القبيحة التي يكتبونها، فإن الله خلقهم كراماً في خلقهم وأخلاقهم.
ومن كرمهم أنه قد ثبت في الحديث المروي في الصحاح، والسنن، والمسانيد، من حديث جماعة من الصحابة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((لا يدخل الملائكة بيتاً فيه صورة، ولا كلب، ولا جنب))
وفي رواية عن عاصم بن ضمرة، عن علي، ((ولا بول)).
وفي رواية رافع عن أبي سعيد مرفوعاً: ((لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولاتمثال)).
وفي رواية مجاهد عن أبي هريرة مرفوعاً: ((لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو تمثال)).
وفي رواية ذكوان أبي صالح السماك عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لا تصحب الملائكة رفقة معهم كلب، أو جرس)).
ورواه زرارة بن أوفى عنه: ((لاتصحب الملائكة رفقة معهم جرس)).
وقال البزار: حدثنا إسحاق بن سليمان البغدادي المعروف بالقلوس، حدثنا بيان بن حمران، حدثنا سلام، عن منصور بن زاذان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن ملائكة الله يعرفون بني آدم - وأحسبه قال - ويعرفون أعمالهم، فإذا نظروا إلى عبد يعمل بطاعة الله، ذكروه بينهم، وسموه، وقالوا أفلح الليلة فلان، نجا الليلة فلان، وإذا نظروا إلى عبد يعمل بمعصية الله، ذكروه بينهم، وسموه، وقالوا هلك فلان الليلة)). (ج/ص: 1/55)
ثم قال سلام: أحسبه سلام المدائني، وهو لين الحديث.
وقد قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((الملائكة يتعاقبون، ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر، وصلاة العصر، ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون)).
هذا اللفظ في كتاب بدء الخلق بهذا السياق، وهذا اللفظ تفرد به دون مسلم من هذا الوجه.
وقد أخرجاه في (الصحيحين) في البدء من حديث مالك، عن أبي الزناد به.
وقال البزار: حدثنا زياد بن أيوب، حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي، حدثنا تمام بن نجيح، عن الحسن يعني البصري، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ما من حافظين يرفعان إلى الله عز وجل ما حفظا في يوم، فيرى في أول الصحيفة وفي آخرها، استغفاراً إلا قال الله: غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة)).
ثم قال تفرد بن تمام بن نجيح، وهو صالح الحديث.
قلت: وقد وثقه ابن معين، وضعفه البخاري، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والنسائي، وابن عدي، ورواه ابن حبان بالوضع، وقال الإمام أحمد: لا أعرف حقيقة أمره.
والمقصود: أن كل إنسان له حافظان، ملكان اثنان، واحد من بين يديه، وآخر من خلفه، يحفظانه من أمر الله، بأمر الله عز وجل، وملكان كاتبان عن يمينه، وعن شماله، وكاتب اليمين أمير على كاتب الشمال، كما ذكرنا ذلك عند قوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 17-18].
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا سفيان، حدثنا منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبيه، عن عبد الله هو ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة)).
قالوا: وإياك يا رسول الله؟
قال: ((وإياي ولكن الله أعانني عليه، فلا يأمرني إلا بخير)).
انفرد بإخراجه مسلم من حديث منصور به. فيحتمل أن هذا القرين من الملائكة، غير القرين بحفظ الإنسان، وإنما هو موكل به ليهديه، ويرشده بإذن ربه إلى سبيل الخير، وطريق الرشاد، كما أنه قد وكل به القرين من الشياطين، لا يألوه جهداً في الخبال، والإضلال. والمعصوم من عصمه الله عز وجل، وبالله المستعان.
وقال البخاري: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، والأغر، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد، ملائكة يكتبون الأول، فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاؤوا يسمعون الذكر)).
وهكذا رواه منفرداً به من هذا الوجه، وهو في (الصحيحين) من وجه آخر. (ج/ص: 1/56)
وقد قال الله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء: 78].
وقال الإمام أحمد: حدثنا أسباط، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} قال:
((تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار)).
ورواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، من حديث أسباط. وقال الترمذي: حسن صحيح. قلت: وهو منقطع.
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فضل صلاة الجمع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، ويجتمع ملائكة الليل، وملائكة النهار في صلاة الفجر))
يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}.
قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت، فبات غضبان، لعنتها الملائكة حتى تصبح)) تابعه شعبة، وأبو حمزة، وأبو داود، وأبو معاوية عن الأعمش
وثبت في (الصحيحين): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((إذا أمن الإمام فأمنوا، فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه)).
وفي (صحيح البخاري): حدثنا إسماعيل بلفظ:
((إذا قال الإمام آمين، فإن الملائكة تقول في السماء آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه)).
وفي (صحيح البخاري): حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، فإن من وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه)).
ورواه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من حديث مالك.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أو عن أبي سعيد، هو شك يعني الأعمش قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن لله ملائكة سياحين في الأرض، فضلاً عن كتاب الناس، فإذا وجدوا أقواماً يذكرون الله، فنادوا هلموا إلى بغيتكم، فيجيئون بهم إلى السماء الدنيا.
فيقول الله: أي شيء تركتم عبادي يصنعون؟
فيقولون: تركناهم يحمدونك، ويمجدونك، ويذكرونك.
فيقول: وهل رأوني؟
فيقولون: لا.
فيقول: كيف لو رأوني.
فيقولون: لو رأوك لكانوا أشد تحميداً، وتمجيداً، وذكراً.
قال: فيقول فأي شيء يطلبون؟
فيقولون: يطلبون الجنة.
فيقول: وهل رأوها؟
فيقولون: لا.
فيقول: وكيف لو رأوها؟
فيقولون: لو رأوها لكانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلباً.
قال: فيقول من أي يتعوذون؟
فيقولون: من النار.
فيقول: وهل رأوها؟
فيقولون: لا.
فيقول: فكيف لو رأوها.
فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها هرباً، وأشد منها خوفاً.
قال: فيقول أشهدكم أني قد غفرت لهم. (ج/ص: 1/ 57)
قال: فيقول إن فيهم فلاناً الخطاء، لم يردهم إنما جاء لحاجة.
فيقول: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)).
وهكذا رواه البخاري: عن قتيبة، عن جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش به. وقال: رواه شعبة عن الأعمش ولم يرفعه.
ورفعه سهيل عن أبيه.
وقد رواه أحمد عن عفان، عن وهيب، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، كما ذكره البخاري معلقاً عن سهيل.
ورواه مسلم: عن محمد بن حاتم، عن بهز بن أسد، عن وهب به.
وقد رواه الإمام أحمد أيضاً عن غندر، عن شعبة، عن سليمان - هو الأعمش - عن أبي صالح، عن أبي هريرة، كما أشار إليه البخاري - رحمه الله -
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، وابن نمير، أخبرنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة.
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
ومن سلك طريقاً يلتمس به علماً، سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة.
وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه)).
وكذا رواه مسلم، من حديث أبي معاوية.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أبي إسحاق، عن الأغر أبي مسلم، عن أبي هريرة، وأبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((ما اجتمع قوم يذكرون الله، إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده)).
وكذا رواه أيضاً من حديث إسرائيل، وسفيان الثوري، وشعبة، عن أبي إسحاق به، نحوه.
ورواه مسلم من حديث شعبة، والترمذي، من حديث الثوري، وقال: حسن صحيح.
ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يحيى بن آدم، عن عمار بن زريق، عن أبي إسحاق، بإسناد نحوه. وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة
وفي (مسند) الإمام أحمد، والسنن عن أبي الدرداء مرفوعا:
((وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم، رضاً بما يصنع)) أي: تتواضع له، كما قال تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24].
وقال تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215].
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((إن لله ملائكة سياحين في الأرض، ليبلغوني عن أمتي السلام)).
وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان الثوري، وسليمان الأعمش، كلاهما عن عبد الله بن السائب به. (ج/ص: 1/ 58)
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم)).
وهكذا رواه مسلم عن محمد بن رافع، وعبدة بن حميد، كلاهما عن عبد الرزاق به. والأحاديث في ذكر الملائكة كثيرة جداً، وقد ذكرنا ما يسره الله تعالى، وله الحمد.