تعريف السبحة في اللغة: قال الإمام محي الدين النووي في تهذيب الأسماء واللغات (سبحة بضم السين وإسكان الباء الموحدة خرزات منظومة يسبح بها معروفة يعتادها أهل الخير مأخوذة من التسبيح والمسبحة : بضم الميم وفتح السين وكسر الباء المشددة الإصبع السبابة وهي التي تلي الإبهام وسميت بذلك لأن المصلي يشير بها إلى التوحيد والتنزيه أهـ).
وفي المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للشهاب الفيومي : التسبيح : التقديس والتنزيه ويكون بمعنى الذكر والصلاة فريضة كانت أو نافلة ويسبح على راحلته أي يصلي النافلة عليها وصلى سبحة الضحى أي صلاة الضحى ومنه "فلولا أنه كان من المسبحين"([1]) أي من المصلين والسبحة خرزات معروفة منظومة قال الفارابي وتبعه الجوهري: كلمة مولدة وجمعها سبح مثل غرفة وغرف . أهـ([2]).
وفي القاموس : السبحة خرزات للتسبيح تعد والدعاء وصلاة التطوع .
وفي شمس العلوم([3]): السبحة : الصلاة يقال قضيت سبحتي والسبحة الخرزات التي يسبح بها وجمعها سُبَح([4]).
· مشروعية اتخاذ السبحة :
1- عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: رأيت النبي{ صلى الله عليه وآله وسلم }يعقد التسبيح بيده([5]).
وأمر رسول الله{ صلى الله عليه وآله وسلم }النساء بالعقد بأصابعهن فقال: «عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات ومستنطقات»([6]).
2- وعن صفية قالت: دخل علي رسول الله{ صلى الله عليه وآله وسلم }وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بنه فقال : ما هذا يا بنت حيي؟ قلت: قد سبحت منذ قمت على راسك أكثر من هذا قلت: علمني يا رسول الله قال قولي سبحان الله عدد خلقه([7]).
3- وأخرج الإمام أحمد في الزهد عن يونس بن عبيد عن امه قالت: رأيت أبا صفية رجل من أصحاب النبي{ صلى الله عليه وآله وسلم }وكان جارنا قالت فكان يسبح بالحصى.
4- وأخرج أحمد في الزهد: عن عبدالرحمن قال: كان لأبي الدرداء رضي الله عنه نوى العجوة في كيس فكان إذا صلى الغداة أخرجهن واحدة واحدة يسبح بهن حتى ينفذن.
5- وأخرج أبو داود في باب (ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابة أهله) من كتاب النكاح عن أبي نضرة حدثني شيخ من طفاوة([8]) قال تثويت أبا هريرة بالمدينة فلم أر رجلا من أصحاب رسول الله{ صلى الله عليه وآله وسلم }أشد تشميرا ولا أقوم على ضيق منه ، فبينما أنا عنده يوما وهو على سرير له معه كيس فيه حصى أو نوى وأسفل منه جارية له سوداء وهو سبح بها حتى إذا نفذ ما في الكيس القاه إليها فجمعته فأعادته في الكيس فرفعته إليه فقال: ألا أحدثك عن رسول الله{ صلى الله عليه وآله وسلم }الحديث([9]).
قال السيوطي في مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود معنى تثويت : تضيفت ونزلت عنده ضيفا أهـ([10]).
6- وكذلك أخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري أنه كان يسبح بالحصى وكذلك صح أنه كان لأبي هريرة أيضا خيط فيه ألفا عقدة فلا ينام حتى يسبح به.
7- وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن مولاة لسعد أن سعدا كان يسبح بالحصى أو النوى.
8- وأخرج ابن سعد أن سعد بن أبي وقاص كان يسبح بالحصى.
9- وأخرج أيضا عن أبي هريرة أنه كان يسبح بالنوى المجزع : أي ما فيه سواد وبياض.
10- وأخرج ايضا عن فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب أنها كانت تسبح بخيط معقود فيها.
11- وورد في الأثر: نعم المذكر السبحة.
· أقوال العلماء في اتخاذ السبحة:
ورد في حديث مسلسل أن الحسن البصري كان يستعمل السبحة وكان هو في عصر الصحابة.
وقال عمر المكي: رأيت أستاذي الحسن البصري وفي يده سبحة فقلت له: يا أستأذ مع عظم شأنك وحسن عبادتك أنت إلى الآن مع السبحة؟ فقال لي: هذا شيء كنا استعملناه في البدايات ما كنا نتركه في النهايات إني احب أن أذكر الله بقلبي ويدي ولساني.
وقال محمد الأمير في رسالته: قال الشيخ أبو العباس الرواد: تبين من قول الحسن أن السبحة كانت موجودة في زمن الصحابة لأن بدايته في زمنهم([11]).
وفي الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر المكي الهيتمي الشافعي: يحل نحو الجلوس على الحرير بحائل ولو رقيقا ومن استعماله المحرم التدثر به ويحل جعل الطارز منه على الكم إذا كان بقدر أربعة أصابع وخيط السبحة([12]) وعلم الرمح وكيس المصحف.
وقال ابن علان وقد أفردت السبحة بجزء لطيف سميته (إيقاد المصابيح في اتخاذ المسابيح) وأوردت فيه ما يتعلق بها من الأخبار والآثار والاختلاف في تفاصيل الاشتغال بها أو بعقد الأصابع في الأذكار وحاصل ذلك أن استعمالها في أعداد الأذكار الكثيرة التي يلهي الاشتغال بها عن التوجه للذكر أفضل من العقد بالأنامل ونحوه... ، إلى آخر كلامه وقال عند قوله{ صلى الله عليه وآله وسلم }«وأن يعقدن الأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات بعد كلام (ولهذا اتخذ أهل العبادة وغيرهم السبحة)([13]).
وفي شرح المشكاة لابن حجر: ويستفاد من الأمر المذكور في الحديث ندب اتخاذ السبحة وزعم أنها بدعة غير صحيح.. .
وقال ابن الجوزي: إن السبحة مستحبة لما في حديث صفية أنها كانت تسبح بنوى أو حصى وقد أقرها{ صلى الله عليه وآله وسلم }على فعلها والسبحة في معناها إذ لا يختلف الغرض عن كونها منظومة أو منثورة.
وقال عكرمة: قد اتخذ السبحة سادات يشار إليهم مؤخذ عنهم ويعتمد عليهم كأبي هريرة كان له خيط فيه ألفا عقدة فكان لا ينام حتى يسبح به ثنتى عشرة ألف تسبيحة
وفي الدر المختار (في مذهب الحنفية) لا بأس باتخاذ السبحة لغير رياء كما بسطه في البحر.
وقال الإمام السيوطي: وقد أخذ السبحة سادات يشار اليهم ويؤخذ عنهم ويعتمد عليهم فلو لم يكن في اتخاذها غير موافقة هؤلاء السادة والدخول في مسلكهم لكفى.
وذكر القاضي أبو العباس أحمد بن خلكان في وفيات الأعيان أنه رؤي في يد أبي القاسم الجنيد بن محمد يوما سبحة فقيل له: أنت مع شرفك تأخذ بيدك سبحة؟ قال: طريق وصلت به إلى ربي لا أفارقه([14]).
وقد قال العلامة ابن عابدين في حاشيته المشهورة: لا بأس باتخاذ السبحة ودليل الجواز ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله{ صلى الله عليه وآله وسلم }على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به فقال «أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض وسبحان الله عدد ما بين ذلك»([15]).
فلم ينهها عن ذلك وإنما أرشدها إلى ما هو أيسر وأفضل ولو كان مكروها لبين ذلك ولا تزيد السبحة على مضمون هذا الحديث إلا بضم النوى في خيط ومثل ذلك لا يظهر تأثير المنع فلا جرم أنه نقل اتخاذها والعمل بها عن جماعة من الصوفية الأخيار وغيرهم([16]).
وقال علي القاري في المرقاة في شرح حديث سعد المذكور: هذا أصل صحيح لتجويز السبحة بتقريره{ صلى الله عليه وآله وسلم }تلك المرأة إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة ولا يعتد بقول من عدها بدعة وقد قال المشايخ إنها سوط الشيطان([17]).
وقال بعض العلماء : عقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة ولكن يقال: إن المسبح إن أمن الغلط كان عقده بالأنامل أفضل وإلا فالسبحة أولى.
· الشبهات في اتخاذ السبحة:
شبهة: لو كان فيها حسن لاتخذها النبي{ صلى الله عليه وآله وسلم }وهدى الصحابة اليها.
وجوابه: أنه ليس كل ما لم يفعله النبي{ صلى الله عليه وآله وسلم }بنفسه فهو ليس بحسن فإن ما رغب فيه أو قرر عليه أو على نظير له وجد بين يديه أيضا حسن([18]).
والدليل على ذلك عقده{ صلى الله عليه وآله وسلم }بالأنامل وأمره النسوة أن يعقدن بها كما في الأدلة في أول الباب.
شبهة : أن بعض الفقهاء قد حكم بأن مطلق العد بدعة فما بالك بالعد بالسبحة والأمر إذا دار بين الحسن والابتداع ترك حذار عن شبهة الاختراع.
وجوابه: أن قول من قال مطلق العد بدعة مردود ذلك بنص النبي{ صلى الله عليه وآله وسلم }وفعله وفعل أصحابه الأجلاء والأمر الدائر بين الحسن والابتداع إنما يترك إذا تساوى فيه طرفا الحسن والابتداع وههنا قد ترجح جانب الحسن بالوجوه العديدة فتكون العبرة له لا للشبهة السخيفة.
وأما القول بأن السبحة منقولة عن الأديان أو الأوطان الأخرى فغير صحيح بعد ما قدمنا من نشوئها وتطورها في الوسط الإسلامي فإن اتفق وجه شبه بين هذا وذاك فليس معناه النقل والتقليد ولكنه نوع من توارد الخواطر والأفكار علما بأنه ليس كل نقل أو تقليد حرام!!..
ولو اتخذ السبحة من نوع جيد بنية تعظيم الذكر والمذكور سبحانه كان لا بأس به ولا حرج عليه فإن اتخذها من نوع غال بنية المفاخرة والشهرة ولفت النظر كانت حراما واتخاذ السبحة الكاملة أفضل من اتخاذ الثلث قولا واحدا كما يحرم اتخاذ السبحة للهو واللعب والمفاخرة ومجرد اشتغال اليد لأنها أداة عبادة كما يحرم العد عليها من غير ذكر لأنه تشبه كاذب وعبث كما أفتى بذلك الإمام ابن الحاج رضي الله عنه وقد أفتى الشيخ العدوي بعدم اتخاذ السبح الكبار جدا اللافتة للأنظار ووضعها في العنق أو نحو ذلك نقول: لما في ذلك من طلب الشهرة والرياء وحب زعم الولاية واستغلال السبح واستغفال العامة والله الموفق للصواب.
ومن لطيف العبر ما حكاه الإمام السيوطي عن بعض الثقات أنه أخبره : أنه كان مع قافلة في درب بيت المقدس فقامت عليهم سرية عرب وجردوا القافلة جميعها وردوني معهم فلما أخذوا عمامتي سقطت سبحة من رأس فلما رأوها قالوا: هذا صاحب سبحة فردوا علي ما كان أخذ مني وانصرفت سالما منهم.
قال السيوطي: فانظر يا أخي إلى أهل الآلة المباركة الزاهرة وما جمع فيها من خيري الدنيا والآخرة ([19]).
الخاتمة
ومن مجموع هذه الآثار نجد أن أصل اتخاذ السبحة قائم في الإسلام لإحصاء الذكر وإن الذي تطور إنما هو النوى والحصى وتطورت العقد في الخيط وعلى الأنامل إلى حبات مثقوبة على صورة العقد يجمعها خيط يحملها العابد فتذكره بربه وبورده.
وفي هذا القدر كفاية لمن أراد أن يكفتي والحمد لله رب العالمين
-----------------------------------------------------------
([1]) سورة الصافات الآية (143).
([2]) نقل شارح القاموس عن شيخه أنها ليست من اللغة في شيء ولا تعرفها العرب وإنما حدثت في الصدر الأول إعانة على الذكر وتذكيرا أو تنشيطا.
([3]) للإمام أبي الحسن نشوان بن سعيد بن فشوان اليمني الحميري الفقيه اللغوي المحقق المؤرخ الشاعر المتوفى سنة (573) هـ باليمن.
([4]) نزهة الفكر ص 8 - 9.
([5]) رواه الترمذي (3411) و (3486) وأبو داود (1502) والنسائي (3/79) والحاكم (1/547) والبيهقي (2/253) وأحمد (2/160) وابن حبان (843) والبغوي (1268).
([6]) أخرجه أبو داود (1501) والترمذي (3583) وأحمد (6/370) والطبراني في الكبير (25/73" 181") وابن أبي شيبة في المصنف (10/289) وصححه الذهبي في المختصر وحسنه الحافظ ابن حجر في أمالي الأذكار والنووي في الأذكار.
([7]) رواه الترمذي (3554).
([8]) أبو نضرة : هو المنذر بن مالك تابعي جليل وطفاوة بضم الطاء حي من قيس عيلان.
([9]) رواه أبو داود (2174).
([10]) نزهة الفكر ص 12.
([11]) نزهة الفكر في سبحة الذكر للإمام اللكنوي (ص 16 - 18 - 36.
([12]) أي يحل خيط السبحة وما عطف عليه إذا كان من الحرير.
([13]) من الفتوحات الربانية على الأذكار النووية للعلامة محمد بن علان الصديقي المتوفى سنة (1057هـ) (ج1 ص 251 - 252).
([14]) الحاوي (ج2/ص37 -40).
([15]) أخرجه بلفظ (سبحان الله عدد ما هو خالق) في المرة الثالثة أبو داود (1500) والترمذي (3568) والطبراني في الدعاء (1738) والبغوي (1279) وابن حبان (837) والحاكم (1/547 - 548) وصححه ووافقه الذهبي وحسنه الحافظ ابن حجر في أمالي الأذكار.
([16]) من حاشية ابن عابدين ج1/ ص457 .
([17]) أي: السوط الذي يزجر به ويطرد.
([18]) وهنا قرر{ صلى الله عليه وآله وسلم }النظير وهو التسبيح بالحصى.