لا إله إلا الله فضلها و مكانتها
منقول عن حكمت عبد الرزاق النعيمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا إله إلا هو ، حمدأً كثيراً طيباً مباركاً فيه بإذنه ، عدد ما أَحصى علمه ، و كما ينبغي لجلال وجهه و عظم
سلطانه ، و صلى الله على سيدنا محمد النبي الأَمي ، وعلى آله وصحبه و سلم تسليماً بقدر عظمة الخالق العظيم .
أيها الأخوة المؤمنين : لا إِله إِلا الله . كلمة التقوى ، الكلمة الطيبة ، هذه الكلمة التي تحمل النور ، و هي أصدق الكلام فتعالوا أيها الأحبة الطيبين لنعيش مع ( لا إله إلا الله ) أيها الأحبة ، في الحياة إنها كلمة يعلنها المسلمون في أذانهم وإقامتهم وفي خطبهم ومحادثاتهم ، وهي كلمة قامت بها الأرض والسماوات ، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات . وبها أرسل الله رسله . وأنزل كتبه وشرع شرائعه ، ولأجلها نصبت الموازين ، ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة والنار . وبها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكفار فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب وهي الحق الذي خلقت له الخليقة . وعنها وعن حقوقها السؤال ، والحساب وعليها يقع
الثواب والعقاب وعليها نصبت القبلة وعليها أسست مكة ، ولأجلها جردت سيوف الجهاد ، وهي حق الله على جميع العباد . فهي كلمة الإسلام ومفتاح دار السلام ، وعنها يسأل الأولون والآخرون . فلا تزول قدما العبد بين يدي الله ، حتى يسأل : ( ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم المرسلين ) وجواب الأولى بتحقيق ( لا إله إلا الله ) معرفة وإقراراً وعملا ، وجواب الثانية بتحقيق ( أن محمداً رسول الله ) معرفة وانقياداً وطاعة .
والعروة الوثقى ، وهي التي جعلها إبراهيم عليه السلام ( كلمة باقية في عقبة لعلهم يرجعون ) سورة الزخرف الآية 28 ؟ وهي التي شهد الله بها لنفسه وشهدت بها ملائكته وأولوا العلم في حقه . قال سبحانه وتعالى في سورة آل عمران الآية 18 : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) . وهي كلمة الإخلاص وشهادة الحق . ودعوة الحق . وبراءة من الشرك ولأجلها خلق الخلق كما قال تعالى في سورة الذاريات الآية 56 ؟ ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب قال عز وجل في سورة الأنبياء الآية 25 ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) وقال تعالى في سورة النحل الآية 2 ؟ ( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) وهي أفضل الذكر وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه و سلم )، انه قال : ( خير الدعاء دعاء يوم عرفه ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) قال ابن عيينه رحمه الله : ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله . وأن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا … ؟
فمن قالها عصم ماله ودمه ، ومن أباها فماله ودمه هدر؟
و لها فضائل عظيمة ولها من الله مكانه ، من قالها صادقاً أدخله الله الجنة . ومن قالها كاذباً حقنت دمه وأحرزت ماله في الدنيا وحسابُه على الله عز و جل ، وهي كلمة وجيزة اللفظ قليلة الحروف خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان
. فقد روى ابن حيان والحاكمُ وصححه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه- عن رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) ، قال قال موسى عليه السلام : يا رب علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به ، قال يا موسى قل ( لا إله إلا الله ) . قال : كل عبادك يقولون
هذا..؟ قال يا موسى لو أنَ السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله
إلا الله ) . فالحديث يدل على أن لا إله إلا الله هي أفضل الذكر . و مما يدلُ على ثقلها في الميزان أيضاً ما رواه الترمذي وحسنه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال النبي ( صلى الله عليه و سلم ) : ( يصاحُ برجلٍ من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة و تسعون سجلاً كل سجل منها مد البصر ثم يقال : أتنكر من هذا شيئاً ، فيقول لا يا رب ، فيقال : ألك عذرٌ أو حسنة فيهاب الرجل فيقول لا – فيقال بلى إن لك عندنا حسنات ، وإنه لا ظلم عليك فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ، فيقال إنك لا تُظلم ، فتوضع السجلات في كفةٍ والبطاقة في كفةٍ ، فطاشت السجلات ، وثقلت البطاقة ) . ولهذه الكلمة العظيمة فضائل كثيرة ذكر جملة منها الحافظ بن رجب في رسالته المسماة - كلمة الإخلاص- واستدل لكل فضيلة ، ثمنها : ( أنها ثمن الجنة ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة وهي نجاة من النار : وهي توجب المغفرة ، وهي أحسن الحسنات ، وهي تمحو الذنوب و الخطايا ، وهي تجدد ماغُرس من الإيمان من القلب ، وترجحُ بصحائف الذنوب ، وهي تخرق الحجبُ حتى تصل إلى الله عز و جل ، فهي الكلمة التي يصدق الله قائلها ، وهي أفضل ما قاله النبيون ، وهي أفضل الذكر ، وهي أفضل الأعمال ، وأكثرها تضعيفاً وتعدل عتق الرقاب وتكون حرزاً من الشيطان ، وهي أمان من وحشة القبر وهول الحشر ، وهي شعارُ المؤمنين إذا قاموا من قبورهم . ومن فضائلهاأنها تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ، ومن فضائلها أن أهلها إن دخلوا النار بتقصيرهم في حقوقها فإنهم لا بدأن يخرجوا منها….) وهناك أقوال وأحاديث كثيرة تتضمن فضل هذه الكلمة نكتفي بما ذكرناه .
إعراب لا إله إلا الله وأما إعرابها فقد اهتم العلماء رحمهم الله بها ، فاتفقوا على أن ، لا – نافية للجنس- .
والإله ، كما قال ابن القيم) الإله) هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالاً وإنابة ، وإكراماً وتعظيماً وذلاً وخضوعاً وخوفاً و رجاء وتوكلاً . وهو الذي يطاع فلا يعصى وسؤالا منه ودعاء منه ودعاء له ، ولا يصاح هذا كله إلا لله عز و جل ، فمن أشرك مخلوقاً
في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحاً في إخلاصه في قول (لا إله إلا الله) وكان فيه من عبودية لمخلوق بحسب ما فيه من ذلك . فدلت (لا إله إلا الله) على نفي الإلهية عن كل ما سوى الله تعالى كائناً من كان ، وإثبات الإلهية لله وحده دون سواه ؟
وإلا : فهي تأكيد إثبات للمعبود الحق سبحانه وتعالى .
والله هو الاسم العظيم الدال على الموجود الحق الجامع لجميع صفات الكمال الإلهية ، وهو أكبر الأسماء وأجمعها للمعاني وهو الاسم الذي تفرد به الله سبحانه وتعالى ، واختصه لنفسه وقدمه على جميع أسمائه ، وأضاف أسماءه كلها إليه ، وكل ما يأتي من بعد الأسماء نعت له ، وصفه، متعلقة به ، وتوصف سائر الأسماء بأنها أسماء الله تعالى وتعرف في الأغلب بالإضافة إليه أو تجرى له مجرى الصفات : فقد سبقت الأسماء الحسنى : الرب ، الرحمن ، العزيز ، الحكيم ، الحميد . قليلا نادراً في بعض آيات القرآن الكريم .
وقد ذكر اسم ( الله ) سبحانه وتعالى ( 2699 ) ألفين وستمائة وتسع وتسعين مرة في القرآن الكريم . وزيادة ذكر ( الله ) مرة في ( بسم الله الرحمن الرحيم ) باعتبار البسملة آية في فاتحة الكتاب .
ولهذا الاسم الشريف خصائصه المعنوية . يقول العلامة ابن القيم رحمه الله : فقد قال أعلم الخلق ( صلى الله عليه وسلم ) ( ولا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) وكيف نحصي خصائص اسم لمسماه كل كمال على الإطلاق ، وكل مدح وحمد ، وكل ثناء وكل مجد ، وكل جلال وكل كمال ، وكل عز وما ذكر اسم ( الله ) في قليل إلا كثر ، ولا عند خوف إلا أزاله ولا عند كرب إلا كشفه : ولا عند هم وغم إلا فرجه ، ولا عند ضيق إلا ووسعه ، ولا تعلق به ضعيف إلا أفاده القوة ، ولا ذليل إلا أناله العز ، ولا فقير إلا صيره غنيا ، ولا مستوحشاً إلا آنسه ولا مغلوب إلا أيده ونصره ، ولا مضطراً إلا كشف ضره ولا شريداً إلا آواه ، فهو الاسم الذي تكشف به الكربات ، وتستنزل به البركات وتجاب به الدعوات ، وتقال به العثرات ، وتستدفع به السيئات ، وتستجلب به الحسنات ، وهو الاسم الذي قامت به الأرض والسماوات ، وبه أنزلت الكتب ، وبه أرسلت الرسل ، وبه شرعت الشرائع ، وبه قامت الحدود ، وبه شرع الجهاد ، وبه انقسمت الخليقة ، إلى سعداء وأشقياء ، وبه حقت الحاقة ووقعت الواقعة . وبه وضعت الموازين القسط ونصب الصراط ، وقام سوق الجنة والنار وبه عبد رب العالمين وحمده وبحقه انبعثت الرسل ، وعنه السؤال في القبر ويوم البعث والنشور ، وبه الخصام واليه المحاكمة وفيه الموالاة والمعاداة ، وبه سعد من عرفه وقام بحقه ، وبه شقي من جهله وترك حقه ، فهو سر الخلق والأمر وبه قاما وثبتا ، وإليه انتهيا ، فالخلق به وإليه ولأجله ، فما وجد خلق ولا أمر ولا ثواب ولا عقاب إلا مبتدئا منه ومنتهيا إليه ، وذلك موجبه ومقتضاه . ( ربنا ما خلقت هذا باطلا . سبحانك فقنا عذاب النار ) سورة آل عمران الآية 191 فاسمه ( الله ) دل على كونه مألوهاً معبوداً من الخلائق : محبة وتعظيماً وخضوعا ، ومفزعاً إليه في الحوائج والنوائب . وذلك مستلزم لكمال ربو بيته ورحمته المتضمنتين بكمال الملك والحمد ، وإلهيته وربوبيته ورحمانيته وملكه : مستلزم بجميع صفات كماله ، إذ يستحيل ثبوت ذلك ممن ليس بحي ، ولا سميع ، ولا بصير ، ولا قادر ، ولا متكلم ، ولا فعال لما يريد ، ولا حكيم في أقواله وأفعاله ، فصفات الجلال والجمال أخص باسم ( الله ) .